فصل: سؤالهم عن قيام الساعة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **


 ظلمهم في الدية

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني داود بن الحصين عن عكرمة ، عن ابن عباس ‏‏:‏‏ أن الآيات من المائدة التي قال الله فيها ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ، وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا ، وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ، إن الله يحب المقسطين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ إنما أنزلت في الدية بين بني النضير وبين بني قريظة ، وذلك أن قتلى بني النضير ، وكان لهم شرف ، يؤدون الدية كاملة ، وأن بني قريظة كانوا يؤدون نصف الدية ، فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله ذلك فيهم ، فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق في ذلك ، فجعل الدية سواء ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فالله أعلم أي ذلك كان ‏‏.‏‏

 رغبتهم في فتنة الرسول صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقال كعب بن أسد ، وابن صلوبا ، وعبدالله بن صوريا ، وشأس بن قيس ، بعضهم لبعض ‏‏:‏‏ اذهبوا بنا إلى محمد ، لعلنا نفتنه عن دينه ، فإنما هو بشر ، فأتوه ، فقالوا له ‏‏:‏‏ يا محمد ، إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم‏ وسادتهم ، وأنا إن اتبعناك اتبعتك يهود ، ولم يخالفونا ، وأن بيننا وبين بعض قومنا خصومة ، أفنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ، ونؤمن بك ونصدقك ، فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ‏‏.‏‏ فأنزل الله فيهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وأن احكم بينهم بما أنزل الله ، ولا تتبع أهواءهم ، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ، فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ، وإن كثير من الناس لفاسقون ‏‏.‏‏ أفحكم الجاهلية يبغون ، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

 إنكارهم نبوة عيسى عليه السلام

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر منهم ‏‏:‏‏ أبو ياسر بن أخطب ، ونافع بن أبي نافع ، وعازر بن أبي عازر ، وخالد ، وزيد ، وإزار بن أبي إزار ، وأشيع ، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ نؤمن بالله وما أنزل إلينا ، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وما أُوتي موسى وعيسى ، وما أوتي النبيون من ربهم ، لا نفرق بين أحد منهم ، ونحن له مسلمون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ فلما ذكر عيسى بن مريم جحدوا نبوته ، وقالوا ‏‏:‏‏ لا نؤمن بعيسى بن مريم ولا بمن آمن به ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل ، وأن أكثركم فاسقون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

 ادعاؤهم أنهم على الحق

وأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رافع بن حارثة ، وسلام بن مشكم ، ومالك بن الصيف ، ورافع بن حريملة ، فقالوا ‏‏:‏‏ يا محمد ، ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه ، وتؤمن بما عندنا من التوراة ، وتشهد أنها من الله حق ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ بلى ، ولكنكم أحدثتم وجحدتم ما فيها مما أخذ الله عليكم من الميثاق فيها ، وكتمتم منها ما أُمرتم أن تبينوه للناس ، فبرئتُ من إحداثكم ؛ قالوا ‏‏:‏‏ فإنا نأخذ بما في أيدينا ، فإنا على الهدى والحق ، ولا نؤمن بك ، ولا نتبعك ‏‏.‏‏‏ فأنزل الله تعالى فيهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل ، وما أنزل إليكم من ربكم ، وليزيدنّ كثيرا منهم ما أُنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ، فلا تأس على القوم الكافرين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

 إشراكهم بالله

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم النحام بن زيد ، وقردم بن كعب ، وبحري بن عمرو ، فقالوا له ‏‏:‏‏ يا محمد ، أما تعلم مع الله إلها غيره ‏‏؟‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ الله لا إله إلا هو ، بذلك بُعثت ، وإلى ذلك أدعو ‏‏.‏‏ فأنزل الله فيهم وفي قولهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ قل أي شيء أكبر شهادة ، قل الله شهيد بيني وبينكم ، وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ، أإنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى ، قل لا أشهد ، قل إنما هو إله واحد ، وإنني برىء مما تشركون ‏‏.‏‏ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ؛ الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

 نهي الله تعالى المؤمنين عن موادتهم

وكان رفاعة بن زيد بن التابوت ، وسويد بن الحارث ، قد أظهرا الإسلام ونافقا ، فكان رجال من المسلمين يوادّونهم ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيهما ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء ، واتقوا الله إن كنتم مؤمنين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وإذا جاءوكم قالوا آمنا ، وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به ، والله أعلم بما كانوا يكتمون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

 سؤالهم عن قيام الساعة

وقال جبل بن أبي قشير ، وشمويل بن زيد ، لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ يا محمد ، أخبرنا ، متى تقوم الساعة إن كنت نبيا كما تقول ‏‏؟‏‏ فأنزل الله تعالى فيهما ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ يسألونك عن الساعة أيان مرساها ، قل إنما علمها عند ربي ، لا يجلِّيها لوقتها إلا هو ، ثقلت في السماوات والأرض ، لا تأتيكم إلا بغتة ، يسأونك كأنك حفي عنها ، قل إنما علمها عند الله ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

 تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ أيان مرساها ‏‏:‏‏ متى مرساها ‏‏.‏‏ قال قيس بن الحُدادية الخزاعي ‏‏:‏‏

فجئت ومُخْفَى السر بيني وبينها * لأسألها أيان من سار راجع ‏‏؟‏‏

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ ومرساها ‏‏:‏‏ منتهاها ، وجمعه ‏‏:‏‏ مراس ‏‏.‏‏ قال الكميت بن زيد الأسدي ‏‏:‏‏

والمصيبين باب ما أخطا النا سُ * ومرسى قواعد الإسلام

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ ومُرسَى السفينة ‏‏:‏‏ حيث تنتهي ‏‏.‏‏ وحَفِيّ عنها ‏‏(‏‏ على التقديم والتأخير ‏‏)‏‏ يقول ‏‏:‏‏ يسألونك عنها كأنك حفي بهم فتخبرهم بما لا تخبر به غيرهم ‏‏.‏‏ والحفيّ ‏‏:‏‏ البَرّ المتعهد ‏‏.‏‏ وفي كتاب الله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إنه كان بي حفيا ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ وجمعه ‏‏:‏‏ أحفياء ‏‏.‏‏ وقال أعشى بني قيس بن ثعلبة ‏‏:‏‏

فإن تسألي عني فيا رب سائل * حفي عن الأعشى به حيث أصعدا

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ والحفي أيضا ‏‏:‏‏ المستحفي عن علم الشيء ، المبالغ في طلبه ‏‏.‏‏

 ادعاؤهم أن عزيرا ابن الله

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاّم بن مشكم ، ونعمان بن أبي أوفى أبو أنس ، ومحمود بن دحية ، وشأس بن قيس ، ومالك بن الصيف ، فقالوا له ‏‏:‏‏ كيف نتبعك وقد تركت قِبلتنا ، وأنت لا تزعم أن عزيرا ابن الله ‏‏؟‏‏ فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وقالت اليهود عزير ابن الله ، وقالت النصارى المسيح ابن الله ، ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل ، قاتلهم الله أنى يؤفكون ‏‏)‏‏ إلى آخر القصة ‏‏.‏‏

 تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ يضاهئون ‏‏:‏‏ أي يشاكل قولهم قول الذين كفروا ، نحو أن تحدث بحديث ، فيحدث آخر بمثله ، فهو يضاهيك ‏‏.‏‏

 طلبهم كتابا من السماء

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمود بن سيحان ، ونعمان بن أضاء ، وبحري بن عمرو ، وعزير بن أبي عزير ، وسلام بن مشكم ، فقالوا ‏‏:‏‏ احق يا محمد أن هذا الذي جئت به لحق من عند الله ، فإنا لا نراه متسقا كما تتسق التوارة ‏‏؟‏‏ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ أما والله إنكم لتعرفون أنه من عند الله ‏‏.‏‏ تجدونه مكتوبا عندكم في التوارة ، ولو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ما جاءوا به ؛ فقالوا عند ذلك ، وهم جميع ‏‏:‏‏ فنحاص ، وعبدالله بن صوريا ، وابن صلوبا ، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، وأشيع ، وكعب بن أسد ، وشمويل بن زيد ، وجبل بن عمرو بن سكينة ‏‏:‏‏ يا محمد ، أما يعلمك هذا إنس ولا جن ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ أما والله إنكم لتعلمون أنه من عند الله ، و إني لرسول الله ‏‏:‏‏ تجدون ذلك مكتوبا عندكم في التوراة ؛ فقالوا ‏‏:‏‏ يا محمد ، فإن الله يصنع لرسوله إذا بعثه ما يشاء ويقدر منه على ما أراد ، فأنزل علينا كتابا من السماء نقرؤه ونعرفه ، وإلا جئناك بمثل ما تأتي به ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيهم وفيما قالوا ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

 تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الظهير ‏‏:‏‏ العون ‏‏.‏‏ ومنه قول العرب ‏‏:‏‏ تظاهروا عليه ، أي تعاونوا عليه ‏‏.‏‏ قال الشاعر ‏‏:‏‏

يا سَميّ النبي أصبحت للدّ * يـــن قواما وللإمام ظهيرا

أي عونا ؛ وجمعه ‏‏:‏‏ ظهراء ‏‏.‏‏

 سؤالهم له صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقال حيي بن أخطب ، وكعب بن أسد ، وأبو رافع ، وأشيع ، وشمويل بن زيد ، لعبدالله بن سلام حين أسلم ‏‏:‏‏ ما تكون النبوة في العرب ولكن صاحبك ملك ، ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن ذي القرنين فقص عليهم ما جاءه من الله تعالى فيه ، مما كان قص على قريش ، وهم كانوا ممن أمر قريشا أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ، حين بعثوا إليهم النضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط ‏‏.‏‏

 تهجمهم على ذات الله ، و غضب الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحُدثت عن سعيد بن جبير أنه قال ‏‏:‏‏ أتى رهط من يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا ‏‏:‏‏ يا محمد ، هذا الله خلَق الخلق ، فمن خلق الله ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتُقع لونه ، ثم ساورهم غضبا لربه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فجاءه جبريل عليه السلام فسكنه ، فقال ‏‏:‏‏ خفِّض عليك يا محمد ، وجاءه من الله بجواب ما سألوه عنه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ قل هو الله أحد ‏‏.‏‏ الله الصمد ‏‏.‏‏ لم يلد ولم يولد ‏‏.‏‏ ولم يكن له كفوا أحد ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فلما تلاها عليهم ، قالوا ‏‏:‏‏ فصف لنا يا محمد كيف خَلْقه ‏‏؟‏‏ كيف ذراعه ‏‏؟‏‏ كيف عضده ‏‏؟‏‏ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأول ، وساورهم ‏‏.‏‏ فأتاه جبريل عليه السلام ، فقال له مثل ما قال له أول مرة ، وجاءه من الله تعالى بجواب ما سألوه ‏‏.‏‏ يقول الله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وما قدروا الله حق قدره ، والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ، والسماوات مطويات بيمينه ، سبحانه وتعالى عما يشركون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عتبة بن مسلم ، مولى بني تيم ، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن ، عن أبي هريرة ، قال ‏‏:‏‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ يُوشك الناس أن يتساءلوا بينهم حتى يقول قائلهم ‏‏:‏‏ هذا الله خلق الخلق ، فمن خلق الله ‏‏؟‏‏ فإذا قالوا ذلك فقولوا ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ قل هو الله أحد ‏‏.‏‏ الله الصمد ‏‏.‏‏ لم يلد ولم يولد ‏‏.‏‏ ولم يكن له كفوا أحد ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ ثم ليتفل الرجل عن يساره ثلاثا ، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

 تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الصمد ‏‏:‏‏ الذي يُصمد إليه ، ويفزع إليه ، قالت هند بنت معبد بن نضلة تبكي عمرو بن مسعود ، وخالد بن نضلة ، عَمَّيْها الأسديين ، وهما اللذان قتل النعمان بن المنذر اللخمي ، وبنى الغريَّيْنِ اللذين بالكوفة عليها ‏‏:‏‏

ألا بكر الناعي بخيري بني أسدْ * بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمدْ